سورة ق - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (ق)


        


{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35)}
قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} قرأ نافع وأبو بكر {يوم يقول} بالياء اعتبارا بقوله: {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}. الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة. وقرأ الحسن {يوم أقول}. وعن ابن مسعود وغيره {يوم يقال}. وأنتصب {يَوْمَ} علي معنى ما يبدل القول لدي يوم.
وقيل: بفعل مقدر معناه: وأنذرهم {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها. وهذا الاستفهام على سبيل التصديق لخبره، والتحقيق لوعده، والتقريع لأعدائه، والتنبيه لجميع عباده. {وَتَقُولُ} جهنم {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أي ما بقي في موضع للزيادة، كقوله عليه السلام: «هل ترك لنا عقيل من ربع أو منزل» أي ما ترك، فمعنى الكلام الجحد. ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة، أي هل من مزيد فأزداد؟. وإنما صلح هذا للوجهين، لان في الاستفهام ضربا من الجحد.
وقيل: ليس ثم قول وإنما هو على طريق المثل، أي إنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك، كما قال الشاعر:
امتلأ الحوض وقال قطني *** مهلا رويدا قد ملأت بطني
وهذا تفسير مجاهد وغيره. أي هل في من مسلك قد امتلأت.
وقيل: ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح. وهذا أصح على ما بيناه في سورة الفرقان.
وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة» لفظ مسلم.
وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة: «وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا». قال علماؤنا رحمهم الله: أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار. وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم، يقال: رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد، قال الشاعر:
فمر بنا رجل من الناس وانزوى *** إليهم من الحي اليمانين أرجل
قبائل من لخم وعكل وحمير *** على آبني نزار بالعداوة أحفل
ويبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال: ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة: قط قط حسبنا حسبنا أي اكتفينا اكتفينا، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر. فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم، ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث: «ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة» وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله.
وقال النضر بن شميل في معنى قوله عليه السلام: «حتى يضع الجبار فيها قدمه» أي من سبق في علمه أنه من أهل النار. قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي فربت منهم.
وقيل: هذا قبل الدخول في الدنيا، أي قربت من قلوبهم حين قيل لهم اجتنبوا المعاصي.
وقيل: بعد الدخول قربت لهم مواضعهم فيها فلا تبعد. {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي منهم وهذا تأكيد. {هذا ما تُوعَدُونَ} أي ويقال لهم هذا الجزاء الذي وعدتم في الدنيا على ألسنة الرسل. وقراءة العامة {تُوعَدُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ ابن كثير بالياء على الخبر، لأنه أتى بعد ذكر المتقين. {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أَوَّابٍ أي رجاع إلى الله عن المعاصي، ثم يرجع يذنب ثم يرجع، هكذا قاله الضحاك وغيره.
وقال ابن عباس وعطاء: الأواب المسبح من قوله: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ}.
وقال الحكم بن عتيبة: هو الذاكر لله تعالى في الخلوة.
وقال الشعبي ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود.
وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال: كنا نحدث أن الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا.
وفي الحديث: «من قال إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر الله له ما كان في ذلك المجلس». وهكذا كان النبي صلى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول.
وقال بعض العلماء: أنا أحب أن أقول أستغفرك وأسألك التوبة، ولا أحب أن أقول وأتوب إليك إلا على حقيقته. قلت: هذا استحسان وأتباع الحديث أولى.
وقال أبو بكر الوراق: هو المتوكل على الله في السراء والضراء.
وقال القاسم: هو الذي لا يشتغل إلا بالله عز وجل. {حَفِيظٍ} قال ابن عباس: هو الذي حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها.
وقال قتادة: حفيظ لما أستودعه الله من حقه ونعمته وأتمنه عليه. وعن ابن عباس أيضا: هو الحافظ لأمر الله. مجاهد: هو الحافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر. قال الضحاك: هو الحافظ لوصية الله تعالى بالقبول.
وروى مكحول عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من حافظ على أربع ركعات من أول النهار كان أوابا حفيظا» ذكره الماوردي. قوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} {مَنْ} في محل خفض على البدل من قوله: {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أوفي موضع الصفة ل {أَوَّابٍ}. ويجوز الرفع على الاستئناف، والخبر {ادْخُلُوها} على تقدير حذف جواب الشرط والتقدير فيقال لهم: {ادْخُلُوها}. والخشية بالغيب أن تخافه ولم تره.
وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حين لا يراه أحد.
وقال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب. {وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مقبل على الطاعة.
وقيل: مخلص.
وقال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه. قلت: ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب السليم، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} على ما تقدم، والله أعلم. {ادْخُلُوها} أي يقال لأهل هذه الصفات: {ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي بسلامة من العذاب.
وقيل: بسلام من الله وملائكته عليهم.
وقيل: بسلامة من زوال النعم. وقال: {ادْخُلُوها} وفي أول الكلام {مَنْ خَشِيَ}، لان {مَنْ} تكون بمعنى الجمع. قوله تعالى: {لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها} يعني ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم. {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} من النعم مما لم يخطر على بالهم.
وقال أنس وجابر: المزيد النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف. وقد ورد ذلك في أخبار مرفوعة إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى} {وَزِيادَةٌ} قال: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
وذكر ابن المبارك ويحيى بن سلام، قالا: أخبرنا المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود قال: تسارعوا إلى الجمعة فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب. قال ابن المبارك: على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا.
وقال يحيى بن سلام: لمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا، وزاد: «فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك». قال يحيى: وسمعت غير المسعودي يزيد فيه قوله تعالى: {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ}.
قلت: قوله: «في كثيب» يريد أهل الجنة، أي وهم على كثب، كما في مرسل الحسن، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن أهل الجنة ينظرون ربهم في كل يوم جمعة على كثيب من كافور» الحديث. وقد ذكرناه في كتاب التذكرة.
وقيل: إن المزيد ما يزوجون به من الحور العين، رواه أبو سعيد الخدري مرفوعا.


{وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38)}
قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} أي كم أهلكنا يا محمد قبل قومك من أمة هم أشد منهم بطشا وقوه. {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} أي ساروا فيها طلبا للمهرب.
وقيل: أثروا في البلاد، قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: ضربوا وطافوا.
وقال النضر بن شميل: دوروا.
وقال قتادة: طوفوا.
وقال المؤرج تباعدوا، ومنه قول امرئ القيس:
وقد نقبت في الآفاق حتى *** رضيت من الغنيمة بالإياب
ثم قيل: طافوا في أقاصي البلاد طلبا للتجارات، وهل وجدوا من الموت محيصا؟.
وقيل: طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت. قال الحرث بن حلزة: نقبوا في البلاد من حذر الموت وجالوا في الأرض كل مجال وقرأ الحسن وأبو العالية {فنقبوا} بفتح القاف وتخفيفها. والنقب هو الخرق والدخول في الشيء.
وقيل: النقب الطريق في الجبل، وكذلك المنقب والمنقبة، عن ابن السكيت. ونقب الجدار نقبا، واسم تلك النقبة نقب أيضا، وجمع النقب النقوب، أي خرقوا البلاد وساروا في نقوبها.
وقيل: أثروا فيها كتأثير الحديد فيما ينقب. وقرأ السلمي يحيى بن يعمر {فنقبوا} بكسر القاف والتشديد على الامر بالتهديد والوعيد، أي طوفوا البلاد وسيروا فيها فانظروا {هَلْ مِنْ} الموت {مَحِيصٍ} ومهرب، ذكره الثعلبي.
وحكى القشيري {فنقبوا} بكسر القاف مع التخفيف، أي أكثروا السير فيها حتى نقبت دوابهم الجوهري: ونقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه، وأنقب الرجل إذا نقب بعيره، ونقب الخف الملبوس أي تخرق. والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا، أي عدل وحاد. يقال: ما عنه محيص أي محيد ومهرب. والانحياص مثله، يقال للأولياء: حاصوا عن العدو وللأعداء انهزموا. قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى} أي فيما ذكرناه في هذه السورة تذكرة وموعظة {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} أي عقل يتدبر به، فكنى بالقلب عن العقل لأنه موضعه، قال معناه مجاهد وغيره.
وقيل: لمن كان له حياة ونفس مميزة، فعبر عن النفس الحية بالقلب، لأنه وطنها ومعدن حياتها، كما قال امرؤ القيس:
أغرك مني أن حبك قاتلي *** وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وفي التنزيل: {لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا}.
وقال يحيى بن معاذ: القلب قلبان، قلب محتش بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من الأمور الآخرة لم يدر ما يصنع، وقلب قد احتشى بأهوال الآخرة حتى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي أستمع القرآن. تقول العرب: ألق إلى سمعك أي أستمع. وقد مضى في طه كيفية الاستماع وثمرته. {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب، قال الزجاج: أي قلبه حاضر فيما يسمع.
وقال سفيان: أي لا يكون حاضرا وقلبه غائب. ثم قيل: الآية لأهل الكتاب، قاله مجاهد وقتادة.
وقال الحسن: إنها في اليهود والنصارى خاصة.
وقال محمد ابن كعب وأبو صالح: إنها في أهل القرآن خاصة. قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ} تقدم في الأعراف وغيرها. واللغوب التعب والإعياء، تقول منه: لغب يلغب بالضم لغوبا، ولغب بالكسر يلغب لغوبا لغة ضعيفة فيه. وألغبته أنا أي أنصبته. قال قتادة والكلبي: هذه الآية نزلت في يهود المدينة، زعموا أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام، أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فجعلوه راحة، فأكذبهم الله تعالى في ذلك.


{فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40)}
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ} خطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمره بالصبر على ما يقوله المشركون، أي هون أمرهم عليك. ونزلت قبل الامر بالقتال فهي منسوخة.
وقيل: هو ثابت للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته. وقيل معناه: فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم: إن الله استراح يوم السبت.
الثانية: قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قيل: إنه أراد به الصلوات الخمس. قال أبو صالح: قبل طلوع الشمس صلاة الصبح، وقبل الغروب صلاة العصر. ورواه جرير بن عبد الله مرفوعا، قال: كنا جلوسا عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: «أما انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها- يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير- {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها}» متفق عليه واللفظ لمسلم.
وقال ابن عباس: {قَبْلَ الْغُرُوبِ} الظهر والعصر. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني صلاة العشاءين.
وقيل: المراد تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، قاله عطاء الخراساني وأبو الأحوص.
وقال بعض العلماء في قوله: {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} قال ركعتي الفجر {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الركعتين قبل المغرب، وقال ثمامة ابن عبد الله بن أنس: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلون الركعتين قبل المغرب.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما.
وقال قتادة: ما أدركت أحدا يصلي الركعتين إلا أنسا وأبا برزة الأسلمي.
الثالثة: قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ} فيه أربعة أقوال: الأول- هو تسبيح الله تعالى في الليل، قال أبو الأحوص.
الثاني- أنها صلاة الليل كله، قال مجاهد.
الثالث- أنها ركعتا الفجر، قاله ابن عباس.
الرابع- أنها صلاة العشاء الآخرة، قاله ابن زيد. قال ابن العربي: من قال إنه التسبيح في الليل فيعضده الصحيح: «من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم». وأما من قال إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحا لما فيها من تسبيح الله، ومنه سبحة الضحى. وأما من قال إنها صلاة الفجر أو العشاء فلأنهما من صلاة الليل، والعشاء أوضحه.
الرابعة: قوله تعالى: {وَأَدْبارَ السُّجُودِ} قال عمر وعلي وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي والزهري: أدبار السجود الركعتان بعد المغرب، وأدبار النجوم الركعتان قبل الفجر، ورواه العوفي عن ابن عباس، وقد رفعه ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ركعتان بعد المغرب أدبار السجود» ذكره الثعلبي. ولفظ الماوردي: وروي عن ابن عباس قال: بت ليلة عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة فقال: «يا بن عباس ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم وركعتان بعد المغرب أدبار السجود».
وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين». قال أنس فقرأ في الركعة الأولى {قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قال مقاتل: ووقتها ما لم يغرب الشفق الأحمر. وعن ابن عباس أيضا: هو الوتر. قال ابن زيد: هو النوافل بعد الصلوات، ركعتان بعد كل صلاة مكتوبة، قال النحاس: والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر وهو صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو الأحوص: هو التسبيح في أدبار السجود. قال ابن العربي وهو الأقوى في النظر.
وفي صحيح الحديث: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دبر الصلاة المكتوبة: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
وقيل: إنه منسوخ بالفرائض فلا يجب على أحد إلا خمس صلوات، نقل ذلك الجماعة.
الخامسة: قرأ نافع وابن كثير وحمزة {وإدبار السجود} بكسر الهمزة على المصدر من أدبر الشيء إدبارا إذا ولى. الباقون بفتحها جمع دبر. وهي قراءة علي وابن عباس، ومثالها طنب وأطناب، أو دبر كقفل وأقفال. وقد استعملوه ظرفا نحو جئتك في دبر الصلاة وفي أدبار الصلاة. ولا خلاف في آخر وَالطُّورِ. {وإدبار النجوم} أنه بالكسر مصدر، وهو ذهاب ضوئها إذا طلع الفجر الثاني، وهو البياض المنشق من سواد الليل.

1 | 2 | 3 | 4